
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فتأمَّلْ كيف أتبع الجملة الأولى بالثانية رفعًا لتوهُّم إهدار دماء الكفار مطلقًا، وإن كانوا في عهدهم. فإنه لما قال: «لا يُقتَل مؤمن بكافر» فربما ذهب الوهم إلى أن دماءهم هدَرٌ، ولهذا لو قتل أحدَهم مسلمٌ لم يُقتَل به، فرفع هذا التوهُّمَ بقوله: «ولا ذو عهد في عهده». ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال: يُقتَل المسلمُ بالكافر المعاهد، وقدَّر في الحديث: ولا ذو عهد في عهده بكافر (1).
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها» (2). فلما كان نهيُه عن الجلوس عليها نوعَ تعظيمٍ لها عقَّبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها حتى تُجعَل قبلة (3).
وهذا بعينه مشتقٌّ من القرآن، كقوله تعالى لنساء نبيِّه: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]. فنهاهن عن الخضوع بالقول، فربما ذهب الوهم إلى الإذن في الإغلاظ في القول والتجاوز، فرفَع هذا التوهُّمَ بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (4).
ومن ذلك: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ [187/ب] آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ