أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عجيجًا، تُبدَّل فيه الأحكام، ويُقلَب الحلالُ بالحرام (1)، ويُجعل فيه المعروفُ في أعلى (2) مراتب المنكرات، والمنكرُ الذي لم يشرعه الله ورسوله من أفضل القرُبات. الحقُّ فيه غريب، وأغرَبُ منه من يعرفه! وأغرَبُ منهما من يدعو إليه، وينصح به نفسَه [191/أ] والناسَ! قد فلَق له (3) فالقُ الإصباح صبحَه عن غياهب الظلمات، وأبان له (4) طريقَه المستقيم من بين تلك الطرق الجائرات، وأراه بعين قلبه ما كان عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، مع ما عليه أكثرُ الخلق من البدع المضلَّات. رُفِع له علَمُ الهداية فشمَّر إليه، ووضَح له الصراطُ المستقيمُ فقام واستقام عليه. وطوبى له من وحيدٍ على كثرة السكان، غريبٍ على كثرة الجيران، بين أقوامٍ رؤيتُهم قذى العيون، وشجى الحلوق، وكربُ النفوس، وحُمَّى الأرواح، وغمُّ الصدور، ومرضُ القلوب.
وإن أنصفتَهم لم تقبل طبيعتهم الإنصاف، وإن طلبتَه منهم فأين الثريَّا من يد الملتمس! قد انتكست قلوبُهم، وعمي عليهم مطلوبُهم. رضُوا بالأماني، وابتلُوا بالحظوظ، وحصلوا على الحرمان، وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوي الباطلة وشقاشق الهذَيان! ولا والله ما ابتلَّت من وَشَلِه (5)