أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كما يقضَمُ الفحلُ». وهذا من أحسن التعليل وأبينه، فإن العاضَّ لما صال على المعضوض جاز له أن يرُدَّ صياله عنه بانتزاع يده من فمه. فإذا أدىَّ ذلك إلى إسقاط ثناياه كان سقوطُها بفعلٍ مأذونٍ فيه من الشارع، فلا يقابَل بالدية.
وهذا كثير جدًّا في السنَّة (1). فينبغي للمفتي أن ينبِّه السائلَ على علة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك، وإلا حرم عليه أن يفتي بلا علم.
وكذلك أحكام القرآن، يرشد سبحانه فيها إلى مداركها وعللها، كقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فأمر سبحانه نبيَّه أن يذكر لهم علّةَ الحكم قبل الحكم.
وكذلك قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7].
وكذلك قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
وقال في جزاء الصيد: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95].
الفائدة السابعة: إذا كان الحكمُ مستغربًا جدًّا مما لم تألفه النفوس وإنما ألِفَتْ خلافه، فينبغي للمفتي أن يوطِّئ قبله ما يكون مُؤْذِنًا به (2) كالدليل عليه والمقدِّمة بين يديه. فتأمَّلْ ذكرَه سبحانه قصةَ زكريا وإخراجَ الولد منه بعد