أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يسخطه من كلِّ وجه، بحيث لا يتميَّز هذا من هذا. ولا بد أن تكون الفطر السليمة مائلة إلى الحق، مؤثِرة له، ولا بد أن يقوم لها عليه بعضُ الأمارات المرجِّحة, ولو بمنام أو بإلهام. فإن قُدِّر ارتفاعُ ذلك كلِّه، وعُدِمت في حقِّه جميعُ الأمارات، فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلَّفًا بالنسبة إلى غيرها؛ فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكُّن من العلم والقدرة. والله أعلم.
الفائدة الخامسة والثلاثون: الفتيا أوسع من الحكم والشهادة، فيجوز فتيا العبد والحر، والمرأة والرجل، والقريب (1) والأجنبي، والأمّي والقارئ، والأخرس بكتابته والناطق، والعدو والصديق. وفيه وجه أنه لا تُقبَل فتيا العدو، ولا من لا تُقبَل شهادته له كالشهادة. والوجهان في الفتيا كالوجهين في الحكم، وإن كان الخلاف في الحاكم أشهر.
وأما فتيا الفاسق فإن أفتى غيرَه لم تُقبَل فتواه، وليس للمستفتي أن يستفتيه. وله أن يعمل بفتوى نفسه، ولا يجب عليه أن يستفتي غيره.
وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان، والصواب جواز استفتائه وإفتائه.
قلت: وكذلك الفاسق, إلا أن يكون معلنًا بفسقه داعيًا إلى بدعته، فحكمُ استفتائه حكمُ إمامته وشهادته. وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز. فالواجب شيء، والواقع شيء. والفقيه من يطبِّق بين الواقع والواجب، وينفِّذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يُلقي العداوة