
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 638
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
حدثنا ابن المبارك قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم.
وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن خالف القياس فهو حجة، وإلا فلا. قالوا: لأنه إذا خالف القياس لم يكن إلا عن توقيفٍ، وعلى هذا فهو حجة وإن خالفه صحابي آخر.
والذين قالوا «ليس بحجة» قالوا: لأن الصحابي مجتهد من المجتهدين يجوز عليه الخطأ، فلا يجب تقليده، ولا يكون قوله حجةً كسائر المجتهدين. ولأن الأدلة الدالة على بطلان التقليد تعمُّ تقليدَ الصحابة (1) ومن دونهم. ولأن التابعي إذا أدرك عصر الصحابة اعتُدَّ بخلافه [175/أ] عند أكثر الناس، فكيف يكون قول الواحد حجة عليه؟ ولأن الأدلة قد انحصرتْ في الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب، وقولُ الصحابي ليس واحدًا منها. ولأن امتيازه بكونه أفضلَ وأعلمَ وأتقَى لا يوجب وجوبَ اتباعه على مجتهد آخر من علماء التابعين بالنسبة إلى من بعدهم.
فنقول: الكلام في مقامين، أحدهما: في الأدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة، الثاني: في الجواب عن شبه النُّفاة.