
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 638
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قالوا: ولأنه علَّق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن، فوجب نفوذه، كما لو قال: «أنت طالق إن علِمَ الله» أو «إن قدَّر الله» أو «إن سمع» أو «إن رأى».
يوضحه: أنه حذف مفعول المشيئة، ولم ينوِ مفعولًا معينًا؛ فحقيقة لفظه: أنت طالق إن كان لله مشيئة، أو إن شاء أي شيء كان، ولو كانت نيته إن شاء الله هذا الحادث المعيّن ــ وهو الطلاق ــ لم يمنع جعلَ المشيئة المطلقة التي هذا الحادثُ فردٌ من أفرادها شرطًا في الوقوع. ولهذا لو سئل المستثني عما أراد لم يُفصِح بالمشيئة الخاصة، بل لعلها لا تخطُر بباله، وإنما تكلم بهذا اللفظ بناء على ما اعتاده الناس من قول هذه الكلمة عند اليمين والنذر والوعد.
قالوا: ولأن الاستثناء إنما بابه الأيمان، كقوله: «من حلفَ فقال: إن شاء الله، فإن شاء فعلَ وإن شاء ترك» (1)، وليس له دخول في الأخبار ولا في الإنشاءات، فلا يقال: «قام زيد إن شاء الله»، ولا «قُمْ إن شاء الله»، ولا «لا تَقُمْ إن شاء الله»، ولا «بعتُ وقبلتُ إن شاء الله». وإيقاع الطلاق والعتاق (2) من إنشاء العقود التي لا تُعلَّق على الاستثناء؛ فإن زمن الإنشاء مقارن له؛ فعقود الإنشاءات تُقارنها أزمنتها؛ فلهذا لا تعلَّق بالشروط.
قالوا: والذي يكشف سرَّ المسألة أن هذا الطلاق المعلَّق على المشيئة إما أن يريد به طلاقًا ماضيًا أو مقارنًا للتكلُّم به أو مستقبلًا؛ فإن أراد الماضي أو المقارن [155/ب] وقع؛ لأنه لا يعلَّق على الشرط، وإن أراد المستقبل