أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 638
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والمقصود أن السحر من أعظم أنواع الحيل التي ينال بها الساحر غرضه، وحيل الساحر من أضعف (1) الحيل وأقواها، ولكن لا تؤثّر تأثيرًا مستقرًّا إلا في الأنفس البطَّالة المنفعلة للشهوات، الضعيفةِ تعلُّقُها بفاطر الأرض والسموات، المنقطعةِ عن التوجه إليه والإقبال عليه؛ فهذه النفوس محلُّ تأثير السحر.
وكحيل أرباب الملاهي والطرب على استمالة النفوس إلى محبة الصور والوصول إلى الالتذاذ بها؛ فحيلة السماع الشيطاني على ذلك من أدنى الحيل عليه، حتى قيل: أول ما وقع الزنا في العالم فإنما كان بحيلة اليَراع والغناء، لما أراد الشيطان ذلك لم يجد عليه حيلة أدنى من الملاهي.
وكحيل اللصوص (2) والسُّرَّاق على أخذ أموال الناس، وهم أنواع لا تُحصى: فمنهم السُّراق بأيديهم، ومنهم السُّراق بأقلامهم، ومنهم السُّراق بأماناتهم، ومنهم السُّراق بما يُظهِرونه من الدين والفقر والصلاح والزهد وهم في الباطن بخلافه، ومنهم السُّراق بمكرهم وخداعهم وغِشِّهم. وبالجملة فحيل هذا الضرب من الناس من أكثر الحيل، وتليها حيل عُشّاق الصور على الوصول (3) إلى أغراضهم فإنها تقع في الغالب خفيةً، وإنما تتمُّ غالبًا على النفوس القابلة المنفعلة الشهوانية.
وكحيل التتار التي ملكوا بها البلاد وقهروا بها العباد وسفكوا بها الدماء واستباحوا بها الأموال.