
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 638
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عقود متفرقة في مجلس واحد.
وهذه الحيلة باطلة قطعًا، فإنه إنما قصد بذلك دفع المفاسد المترتبة على طول مدة الإجارة، فإنها مفاسد كثيرة جدًّا، وكم قد ملك من الوقوف بهذه الطريق وخرج عن الوقفية بطول المدة واستيلاء المستأجر فيها على الوقف هو وذريته وورثته سنين (1) بعد سنين، وكم فات البطون اللواحق من منفعة الوقف بالإيجار الطويل، وكم أُوجِر الوقفُ بدون إجارة مثله لطول (2) المدة وقبض الأجرة، وكم زادت أجرة الأرض أو العقار أضعافَ ما كانت ولم يتمكَّن الموقوف عليه من استيفائها. وبالجملة فمفاسد هذه الإجارة تفوت العدَّ، والواقف إنما قصد دفعها، وخشي منها بالإجارة الطويلة، فصرَّح بأنه لا يُؤجِر أكثر من تلك المدة التي شرطها، فإيجاره أكثر منها سواء كان في عقدٍ أو عقودٍ مخالَفةٌ صريحة لشرطه، مع ما فيها من المفسدة بل المفاسد العظيمة.
ويا لله العجب! هل تزول هذه المفاسد بتعدد العقود في مجلس واحد؟ وأي غرض للعاقل أن يمنع الإجارة لأكثر من تلك المدة ثم يجوِّزها في ساعة واحدة، في عقود متفرقة؟ وإذا آجرَه في عقود متفرقة أكثر من ثلاث سنين، أيصح أن يقال: وفَى بشرط (3) الواقف ولم يخالفه؟ هذا من أبطل الباطل وأقبح الحيل، وهو مخالف لشرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه، وتعريضٌ لإبطال هذه الصدقة، وأن لا يستمر نفعها، ولا يصل إلى من بعد