أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قائلها خلافها؟ ولهذا ألغَى شهادة المنافقين ووصفهم بالخداع والكذب والاستهزاء، وذمَّهم على أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم وأن بواطنهم تخالف ظواهرهم، وذمّ تعالى من يقول ما لا يفعل، وأخبر أن [32/ب] ذلك من أكبر المقت عنده، ولعن اليهود إذ توسَّلوا بصورة عقد البيع على ما حرَّمه عليهم إلى أكل ثمنه، وجعل أكل ثمنه لما كان هو المقصود بمنزلة أكله في نفسه.
وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عاصرَها ومعتصرها (1)، ومن المعلوم أن العاصر إنما عصر عنبًا، ولكن لما كانت نيته إنما هي تحصيل الخمر لم ينفعه ظاهر عَصْره، ولم يعصمه من اللعنة لباطن قصدِه ومراده، فعُلِم أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها.
ومن لم يُراعِ القصود في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعن العاصر، وأن يجوز له عَصْر (2) العنب لكل أحد وإن ظهر له أن قصده الخمر، وأن يقضي له بالأجرة لعدم تأثير القصد في العقد عنده. ولقد صرَّحوا بذلك، وجوَّزوا له العصر، وقَضَوا له بالأجرة، وقد روي في أثر مرفوع من حديث ابن بريدة عن أبيه: «من حبسَ العنب أيام القِطاف حتى