أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
شيء، ثم بدا له فترك اليمينَ: لا يلزمه شيء؛ لأنه لم يُرِد أن يطلّقها. وكذلك قال أصحاب أحمد. وقال أبو حنيفة: لو أراد أن يقول كلامًا فسبق لسانه فقال «أنتِ حرّة» لم تكن بذلك حرة. وقال أصحاب أحمد: لو قال الأعجمي لامرأته «أنت طالق» وهو لا يفهم معنى هذه اللفظة لم تَطلُق؛ لأنه ليس مختارًا للطلاق، فلم يقع طلاقه كالمُكْره. قالوا: فلو نوى موجَبَه عند أهل العربية لم يقع أيضًا؛ لأنه لا يصح منه اختيارُ ما لا يعلمه. وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر.
وفي «مصنَّف وكيع»: أن عمر بن الخطاب قضى في امرأة قالت لزوجها سَمِّني فسمّاها الظبية، فقالت: لا، فقال لها: ما تريدين أن أسمِّيكِ؟ [22/أ] قالت: سَمِّني خَليَّة طالق، قال لها: فأنتِ خليّة طالق، فأتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن زوجي طلَّقني، فجاء زوجها فقصَّ عليه القصة، فأوجع عمر بن الخطاب رأسها، وقال لزوجها: خُذْ بيدها وأوجع رأسها (1).
وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان، وإن تلفَّظ بصريح الطلاق. وقد تقدّم أن الذي قال لما وجد راحلته: «اللهم أنتَ عبدي وأنا ربك»، أخطأ من شدة الفرح (2)؛ لم يكفُر بذلك وإن أتى بصريح الكفر؛ لكونه لم يُرِده، والمُكرَه على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته، بخلاف المستهزئ والهازل؛ فإنه يلزمه الطلاق والكفر وإن كان هازلًا، لأنه قاصد للتكلم باللفظ، وهزلُه لا يكون عذرًا له، بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور،