
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سلكتم سبيلَه اتفاقًا وبَخْتًا (1) عن غير دليل؟ وليس إلى خروجكم عن أحد هذين القسمين سبيل (2)، وأيُّهما كان فهو بفساد مذهب التقليد حاكم، والرجوع إلى مذهب الحجة منه لازم. ونحن إن خاطبناكم بلسان الحجة قلتم: لسنا من أهل هذه (3) السبيل، وإن خاطبناكم بحكم التقليد فلا معنى لما أقمتموه من الدليل.
والعجب أن كلَّ طائفة من الطوائف، وكلَّ أمة من الأمم تدَّعي أنها على حق، حاشا فرقة التقليد فإنهم (4) لا يدَّعون ذلك، ولو ادَّعَوه لكانوا مُبطِلين، فإنهم شاهدون على أنفسهم بأنهم لم يعتقدوا تلك الأقوال لدليلٍ قادَهم إليه، وبرهانٍ دلَّهم عليه، وإنما سبيلهم محضُ التقليد، والمقلِّد لا يعرف الحقَّ من الباطل، ولا الحاليَ من العاطل.
وأعجبُ من هذا أن أئمتهم نَهَوهم عن تقليدهم فعَصَوهم وخالفوهم، وقالوا: نحن على مذاهبهم، وقد دانوا بخلافهم في أصل المذهب الذي بَنَوا عليه، فإنهم بَنَوا على الحجة، ونَهَوا عن التقليد، وأوصَوهم إذا ظهر الدليل أن يتركوا أقوالهم ويتبعوه، فخالفوهم في ذلك كله، وقالوا: نحن من أتباعهم، تلك أمانِيُّهم، وما أتباعهم إلا مَن سلك سبيلهم، واقتفى آثارهم في أصولهم وفروعهم.