أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقوله: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144]، وغيرها من النصوص المحكمة، بالمتشابه من قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، وقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40]، والآيتان حجة عليهم؛ فإن صفات الله جلّ جلاله داخلة في مسمّى اسمه؛ فليس «الله» اسمًا لذاتٍ لا سمعَ لها ولا بصرَ ولا حياة ولا كلام ولا علم، وليس هذا رب العالمين، وكلامه تعالى وعلمه وحياته (1) وقدرته ومشيئته ورحمته داخلة في مسمى [63/أ] اسمه؛ فهو سبحانه بصفاته وكلامه الخالق، وما سواه مخلوق.
وأما إضافة القرآن إلى الرسول فإضافة تبليغٍ محض لا إنشاء. والرسالة تستلزم تبليغ كلام المرسِل، ولو لم يكن للمرسِل كلام يبلّغه الرسول لم يكن رسولًا؛ ولهذا قال غير واحد من السلف: من أنكر أن يكون الله متكلمًا فقد أنكر رسالة رسله، فإن حقيقة رسالتهم تبليغ كلام من أرسلهم.
فالجهمية وإخوانهم ردّوا تلك النصوص المحكمة بالمتشابه، ثم صيَّروا الكل متشابهًا، ثم ردّوا الجميع، فلم يثبتوا لله فعلًا يقوم به يكون به فاعلًا، كما لم يثبتوا له كلامًا يقوم به يكون به متكلمًا؛ فلا كلام له عندهم ولا فَعَال (2)، بل كلامه وفعله عندهم مخلوق منفصل عنه، وذلك لا يكون صفة له؛ لأنه سبحانه إنما يوصف بما قام به لا بما لم يقم به.