أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقد قال بكر بن محمد: سئل أبو عبد الله ــ يعني الإمام أحمد ــ عن مُحْرِم قتل ثعلبًا، فقال: عليه الجزاء، هي صيد، ولكن لا يؤكل (1).
وقال جعفر بن محمد: سمعتُ أبا عبد الله سئل عن الثعلب، فقال: الثعلب سَبُع؛ فقد نصَّ على أنه سَبُع، وأنه يُفدَى في الإحرام.
ولما جعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الضبع كبشًا ظنَّ جابر أنه يؤكل، فأفتى به.
والذين صححوا الحديث جعلوه مخصِّصًا لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما، حتى قالوا: ويحرُم أكلُ كلِّ ذي ناب (2) من [320/ب] السباع إلا الضبع. وهذا لا يقع مثلُه في الشريعة أن يخصص مِثلًا على مِثلٍ من كلِّ وجه من غير فرقان بينهما. وبحمد الله إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك، أعني: شريعة التنزيل، لا شريعة التأويل.
ومن تأمل ألفاظه - صلى الله عليه وسلم - الكريمة تبيَّن له اندفاع هذا السؤال، فإنه إنما حرَّم ما اشتمل على الوصفين: أن يكون له ناب، وأن يكون من السباع العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد. وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين، وهو كونها ذات ناب، وليست من السباع العادية. ولا ريب أن السِّباع أخصُّ من ذوات الأنياب. والسبعُ إنما حرِّم لما فيه من القوة السبعية التي تُورث المغتذيَ بها شبهَها؛ فإن الغاذي شبيه بالمغتذى. ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية