
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المعنى الذي ذكره».
فهذه أجوبة النظار. ونحن بعون الله وتوفيقه نفرد كلَّ مسألة منها بجواب مفصل، وهو المسلك الثاني الذي وعدنا به.
أما المسألة الأولى وهي إيجاب الشارع الغسلَ من المني دون البول؛ فهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة؛ فإن المني يخرج من جميع البدن، ولهذا سمَّاه الله سبحانه: {سُلَالَةٍ}، لأنه يُسَلُّ (1) من جميع البدن. وأما البول [282/أ] فإنما هو فضلة الطعام والشراب المستحيلة في المعدة والمثانة، فتأثُّرُ البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول.
وأيضًا فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن والقلب والروح. بل جميع الأرواح القائمة بالبدن، فإنها تقوى بالاغتسال. والغسل يُخْلِف عليه ما تحلَّل منه بخروج المني، وهذا أمر يُعلَم (2) بالحس. وأيضًا فإن الجنابة توجب ثقلًا وكسلًا، والغسلُ يُحدِث له نشاطًا وخفّةً. ولهذا قال أبو ذر لما اغتسل من الجنابة: كأنما ألقيتُ عنِّي جبلًا (3).
وبالجملة فهذا أمر يدركه كلُّ ذي حسٍّ سليم وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب، مع ما تُحدثه الجنابة من بُعدِ القلب والروح عن الأرواح