
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كذلك من الأم أضعاف أضعاف الجزء الذي من الأب، مع مساواتها له في ذلك الجزء؛ فهو إنما تكوَّن في أحشائها من لحمها ودمها. ولما وضعه الأب لم يكن له قيمة أصلًا، بل كان كما سمَّاه الله ماءً مهينًا لا قيمة له. ولهذا لو نزا فحلُ رجل على رَمَكةِ آخر كان الولد لمالك الأم باتفاق المسلمين. وهذا بخلاف البذر فإنه مال متقوِّم، له قيمة قبل وضعه في الأرض يعاوض عليه بالأثمان، وعَسْبُ الفحل لا يعاوض عليه، فقياس أحدهما على الآخر من أبطل القياس.
فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في النسب، وجعلتموه للأم كما جعلتموه للأب! قيل: قد اتفق المسلمون على أن النسب للأب، كما اتفقوا على أنه يتبع الأم في الحرية والرق. وهذا هو الذي تقتضيه حكمة الله شرعًا وقدرًا، [274/ب] فإن الأب هو المولود له، والأم وعاء وإن تكوَّن فيها. والله سبحانه جعل الولد خليفة أبيه، ونسخته (1)، والقائم مقامه، ووضع الأنساب بين عباده. فيقال: فلان بن فلان، ولا تتم مصالحهم وتعارفهم ومعاملاتهم إلا بذلك، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]. فلولا ثبوت الأنساب من قبل الآباء لما حصل التعارف، ولفسد نظام العباد. فإن النساء محتجبات مستورات عن