أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أحمد فلم يشترط أحد منهم ذلك. وقد نصَّ أحمد على [247/ب] أنه إذا قال: «أعتقتُ أمتي وجعلتُ عتقها صداقها» أنه ينعقد النكاح. قال ابن عقيل: وهذا يدل على أنه لا يختص النكاح بلفظ. وأما ابن حامد فطرَد أصلَه، وقال: لا ينعقد حتى يقول مع ذلك: «تزوجتها». وأما القاضي فجعل هذا موضع استحسان خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح في هذه الصورة خاصة بدون لفظ الإنكاح والتزويج. وأصول الإمام أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإن من أصوله أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول أو فعل، ولا يرى اختصاصها بالصيغ.
ومن أصوله: أن الكناية مع دلالة الحال كالصريح كما قاله في الطلاق والقذف وغيرهما. والذين اشترطوا لفظ الإنكاح والتزويج قالوا: ما عداهما كناية، فلا يثبت حكمها إلا بالنية، وهي أمر باطن لا اطلاع للشاهد عليه؛ إذ الشهادة إنما تقع على المسموع، لا على المقاصد والنيات. وهذا إنما يستقيم إذا كانت ألفاظ الصريح والكناية ثابتة بعرف الشرع وفي عرف المتعاقدين، والمقدمتان غير معلومتين. أما الأولى فإن الشارع استعمل لفظ التمليك في النكاح، فقال: «ملَّكتُكها بما معك من القرآن» (1). وأعتق صفية، وجعل عتقها صَداقها (2)، ولم يأت معه بلفظ إنكاح ولا تزويج. وأباح الله ورسوله النكاح وردَّ فيه الأمة إلى ما تتعارفه نكاحًا بأيِّ لفظ كان، ومعلوم أن تقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية تقسيم شرعي، فإن لم يقم عليه دليل شرعي كان باطلًا، فما هو الضابط لذلك؟