أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقد تنازع الفقهاء: هل القياس يقتضي نجاسة الماء بملاقاة النجاسة إلا ما استثناه الدليل، أو القياس يقتضي أنه لا ينجُس إذا لم يتغيَّر؟ على قولين، والأول قول أهل العراق، والثاني قول أهل الحجاز. وفقهاء الحديث منهم من يختار هذا، ومنهم من يختار هذا.
وقول أهل الحجاز هو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص (1) والمعقول، فإن الله سبحانه أباح الطيبات وحرَّم الخبائث، والطيِّب والخبيث يثبت للمحلِّ (2) باعتبار صفات قائمة به، فما دامت تلك الصفة فالحكم تابع لها، فإذا زالت وخلَفتها الصفةُ الأخرى زال الحكم وخلَفه ضدُّه. فهذا هو محض القياس والمعقول. فهذا الماء والطعام كان طيِّبًا لقيام الصفة الموجبة لطيبه، فإذا زالت تلك الصفة وخلَفها (3) صفة الخبث عاد خبيثًا، فإذا زالت صفة الخبث عاد إلى ما كان عليه. وهذا كالعصير الطيب إذا تخمَّر صار خبيثًا، فإذا عاد خلًّا (4) عاد طيِّبًا. والماء الكثير إذا تغيَّر بالنجاسة صار خبيثًا، فإذا زال التغير عاد طيِّبًا. والرجل المسلم إذا ارتدَّ صار خبيثًا، فإذا عاد إلى الإسلام عاد طيِّبًا.
والدليل على أنه طيِّب [240/ب]: الحسُّ والشرع. أما الحِسُّ فلأن الخبث لم يظهر له فيه أثرٌ بوجهٍ ما، لا في لون ولا طعم ولا رائحة، ومحالٌ صدقُ المشتقِّ بدون المشتق منه. وأما الشرع فمن وجوه: