أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الزاغوني. وحجة هؤلاء أن الإجماع إنما كان على الصفة التي كانت قبل محلِّ النزاع، كالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء في الصلاة. فأما بعد الرؤية فلا إجماع، فليس هناك ما يُستصحَب، إذ يمتنع دعوى الإجماع في محلِّ النزاع. والاستصحاب إنما يكون لأمر ثابت فيستصحب ثبوته، أو لأمرٍ منتفٍ فيستصحب نفيه.
قال الأولون: غاية ما ذكرتم أنه لا إجماع في محلِّ النزاع. وهذا حق، ونحن لم ندَّعِ الإجماع في محلِّ النزاع، بل استصحبنا حال المجمَع عليه حتى يثبت ما يزيله.
قال الآخرون: الحكم إذا كان إنما ثبت بالإجماع، وقد زال الإجماع، زال الحكم لزوال دليله. فلو ثبت الحكم بعد ذلك لثبَتَ بغير دليل.
قال المثبتون: الحكم كان ثابتًا، وعلمنا بالإجماع ثبوته، فالإجماع ليس هو علة ثبوته ولا سبب ثبوته في نفس الأمر حتَّى يلزمَ من زوال العلة زوالُ معلولها، ومن زوال السبب زوالُ حكمه. وإنما الإجماع دليل عليه، وهو في نفس الأمر مستند إلى نصٍّ أو معنى نصٍّ؛ فنحن نعلم أن الحكم المجمَع عليه ثابت في نفس الأمر. والدليل لا ينعكس، فلا يلزم من انتفاء الإجماع انتفاء الحكم، بل يجوز أن يكون باقيًا [207/أ] ويجوز أن يكون منتفيًا. لكن الأصل بقاؤه، فإن البقاء لا يفتقر إلى سبب حادث، ولكن يفتقر إلى بقاء سبب ثبوته. وأما الحكم المخالف فيفتقر إلى ما يزيل الأول (1)، وإلى ما يُحدث الثاني، وإلى ما يُبقيه (2)، فكان ما يفتقر إليه الحادث أكثر مما يفتقر