أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ويقين البراءة الأصلية قد ارتفع بالوجوب فلا يعود بالشك. قالوا: والحديث الذي تحتجُّون به من أكبر حججنا، فإنه منع المصلِّيَ بعد دخوله في الصلاة بالطهارة المتيقَّنة أن يخرج منها بالشك، فأين هذا من تجويز الدخول فيها بالشك؟ (1).
ومن ذلك: لو شكَّ هل طلق واحدةً أو ثلاثًا، فإنّ مالكًا [206/أ] يُلزِمه بالثلاث، لأنه تيقَّن طلاقًا، وشكَّ هل هو مما تُزيل أثرَه الرجعةُ أم لا؟ وقول الجمهور في هذه المسألة أصح، فإن النكاح متيقَّن، فلا يزول بالشك. ولم يعارض يقينَ النكاح إلا شكٌّ محضٌ، فلا يزول به. وليس هذا نظير الدخول في الصلاة بالطهارة التي شكَّ في انتقاضها، فإن الأصل هناك شغلُ الذمة، وقد وقع الشكُّ في فراغها. ولا يقال هنا: الأصلُ (2) التحريمُ بالطلاق وقد شككنا في الحِلِّ، فإن التحريم قد زال بنكاح متيقَّن، وقد حصل الشكُّ فيما يرفعه. فهو نظير ما لو دخل في الصلاة بوضوء متيقَّن، ثم شكَّ في زواله. فإن قيل: هو متيقِّن للتحريم بالطلاق شاكٌّ في الحِلِّ بالرجعة، فكان جانبُ التحريم أقوى. قيل: ليست الرجعية بمحرَّمة، وله أن يخلو بها، ولها أن تتزيَّن له وتتعرَّض له، وله أن يطأها. والوطء رجعة عند الجمهور، وإنما خالف في ذلك الشافعيُّ وحده (3). وهي زوجه (4) في جميع الأحكام إلا في القَسْم خاصّة. ولو سُلِّم أنها محرَّمة، فقولكم: «إنه متيقِّن للتحريم» إن أردتم