أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
القصاص من التشفِّي ودركِ الغيظ لا تحصل إلا بذلك، ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلاف ثيابه ويعطيه قيمتها، ولا يشقُّ ذلك عليه لكثرة ماله، فيشفي نفسه منه بذلك، ويبقى المجنيُّ عليه بغبنه وغيظه، فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه ودركِ ثأره وبردِ قلبه وإذاقةِ الجاني من الأذى ما ذاق هو؟ فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة وقياسها (1) يأبى ذلك.
وقوله: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقوله: {وَإِنْ [198/أ] عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] يقتضي جواز ذلك.
وقد صرَّح الفقهاء بجواز إحراقِ زروع الكفار وقطعِ أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا، وهذا عين المسألة. وقد أقرَّ الله سبحانه الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خزيهم، وهذا يدل على أنه سبحانه يحبُّ خزيَ الجاني الظالم ويشرعه. وإذا جاز تحريقُ متاع الغالِّ لكونه تعدَّى على المسلمين في خيانتهم في شيء (2) من الغنيمة، فلَأن يحرَّق مالُه إذا حرَّق مالَ المسلم المعصوم أولى وأحرى. وإذا شُرعت العقوبة المالية في حقِّ الله الذي مسامحتُه به أكثر من استيفائه، فلَأن تُشرَع في حقِّ العبد الشحيح أولى وأحرى.
ولأن الله سبحانه شرع القصاص زجرًا للنفوس عن العدوان، وكان من