
أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
الدليل الثامن: قوله تعالى: {إِنَّ اَلَّذِينَ يُحَادُّونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [المجادلة: 5]، والكبت: الإذلال والخزي والصرع (1) على الوجه. قال النضر وابن قتيبة (2): هو الغيظ والحزن. وقال أهل التفسير (3): {كُبِتُوا} أُهلكوا (4) وأُخزوا وحُزِنوا.
وإذا كان المُحادُّ مكبوتًا، فلو كان آمنًا على نفسه وماله لم يكن مكبوتًا بل مسرورًا جذلًا يشفي صدره من الله ورسوله آمنًا على دمه وماله، فأين الكبت إذًا؟
ويدل عليه قوله: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}، فخوَّفهم بكبتٍ نظير كبت من قبلهم، وهو الإهلاك من عنده أو بأيدي عباده وأوليائه.
وقوله: {كَتَبَ اَللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] عقيب قوله: {إِنَّ اَلَّذِينَ يُحَادُّونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ} دليل على أن المحادَّةَ مغالَبةٌ ومعاداةٌ حتى يكون أحدُ المحادِّين غالبًا. وهذا إنما يكون بين أهل الحرب لا أهل السلم، فعُلم أن المحادَّ ليس بمسالمٍ، فلا يكون له أمانٌ مع المحادَّة. وقد جرت سنة الله سبحانه أن الغلبة لرسله بالحجة والقهر، فمن أُمِر منهم بالحرب نُصِر