
أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قال الشافعي رحمه الله تعالى (1): «ولا يُحدِثون بناءً يَطُولون به بناءَ المسلمين». وهذا المنع لِحقِّ الإسلام لا لِحقِّ الجار، حتى لو رضي الجار بذلك لم يكن لرضاه أثرٌ في الجواز. وليس هذا المنع معلَّلا بإشرافه على المسلم، بحيث لو لم يكن له سبيلٌ على الإشراف جاز، بل لأنَّ الإسلام يعلُو ولا يُعلَى.
والذي تقتضيه أصول المذهب وقواعد الشرع أنَّهم يُمنَعون من سُكنى الدَّار العالية على المسلمين بإجارةٍ أو عاريةٍ أو بيعٍ أو تمليكٍ بغير عِوَضٍ، فإنَّ المانعين من تعلية البناء جعلوا ذلك من حقوق الإسلام، واحتجُّوا بالحديث وهو قوله: «الإسلام يَعلُو ولا يُعلَى» (2). واحتجُّوا بأنَّ في ذلك إعلاءَ رتبةٍ لهم على المسلمين، وأهل الذمَّة ممنوعون من ذلك.
قالوا: ولهذا يُمنَعون من صدور المجالس ويُلجَؤون إلى أضيق الطرق، فإذا مُنِعوا من صدور المجالسِ ــ والجلوسُ فيه عارضٌ ــ فكيف يمكَّنون من السُّكنى اللازمة فوق رؤوس المسلمين؟ وإذا مُنِعوا من وسط الطريق