
أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل (1)
قال أبو عمر (2): وقال آخرون: معنى قوله: «كل مولود يولد على الفطرة» أنَّ الله فطرهم على الإنكار والمعرفة، وعلى الكفر والإيمان، فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم، فقال: ألستُ بربكم؟ قالوا جميعًا: بلى، فأمَّا أهل السعادة، فقالوا: بلى، على معرفةٍ له طوعًا من قلوبهم، وأمَّا أهل الشقاوة فقالوا: بلى، كَرهًا غيرَ طوعٍ.
قالوا: ويصدِّق ذلك قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 82].
قالوا: وكذلك قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمِ اِلضَّلَالَةُ} [الأعراف: 28].
قال محمد بن نصرٍ المروزي (3): سمعت إسحاق بن إبراهيم ــ يعني: ابن راهويه ــ يذهب إلى هذا المعنى، واحتجَّ بقول أبي هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اَللَّهِ اِلَّتِي فَطَرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِللَّهِ} [الروم: 30] (4). قال إسحاق: يقول: لا تبديل للخِلقة التي جَبَل عليها ولدَ آدمَ كلَّهم، يعني مِن الكفر والإيمان، والمعرفة والإنكار.