
أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
قال الآخرون: اشتراكهم في الكفر العام لا يوجب تساويهم في ملله، فإنهم كلهم يشتركون في الجحيم على اختلاف مراتبهم في الكفر. وقوله تعالى: {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 119] لا يدل على أن ملة اليهود هي ملة النصارى، بل إضافة الملة إلى جميعهم لا يقتضي اشتراكهم في عين الملة. وكذلك قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ} [الكافرون: 6] لا يقتضي اشتراكهم في دين واحد بحيث يدين هؤلاء بعين (1) ما يدين به هؤلاء، بل المعنى: لكلٍّ منكم دينُه وملَّته.
والله سبحانه يذكر الحق والهدى والإسلام ويجعله واحدًا، ويذكر الباطل والضلال والكفر ويجعله متعدِّدًا، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاَتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا اُلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 154].
وقال تعالى: {اِللَّهُ وَلِيُّ اُلَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ (255) وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ اُلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ اَلنُّورِ إِلَى اَلظُّلُمَاتِ} [البقرة: 255 - 256].
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاَتَّقُونِ (53) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53 - 54].
وقال عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -: خطَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا، وقال: «هذا سبيل الله»، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، وقال: «هذه سبلٌ،