
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
* وفي الباب الثاني الذي هو: "في حقيقة الصبر وكلام الناس فيه". أقول: قد ذكر ذلك الغزالي في كتابه (4/ 54) في فصلٍ هو: "بيان حقيقة الصبر ومعناه: اعلم أن الصبر مقام. . . " إلخ. وقد ختم ابن القيم بابه بأن حقيقة الصبر: "ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الشهوة والطبع" ثم شرحه شرحًا مجملًا. وهذا الذي ختم به ابن القيم في بيان حقيقة الصبر، إنما هو ما استنبطه الغزالي في ذلك الفصل الذي ذكره في كتابه (4/ 54). ثم أعاد ابن القيم ذكر هذه الحقيقة في الباب الخامس بقوله: ". . . فلا يُتصور في حقهم الصبر الذي حقيقته: ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الشهوة والهوى". * وفي الباب الثالث الذي ترجمه ابن القيم: "في بيان أسماء الصبر بالإضافة إلى متعلقه". قال ابن القيم في مُستهلِّه: "لما كان الصبر المحمود هو: الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى المذموم، كانت مراتبه بحسب متعلقه. . . ". وقد عقد لذلك الغزالي في كتابه (4/ 57) فصلًا فقال: "بيان الأسامي التي تتجدد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر: اعلم أن الصبر ضربان: أحدهما: ضرب بدني كتحمل المشاق. . . " إلخ. بل من الملاحظ هنا في كلام ابن القيم في هذا الباب أنه استهلَّه وكأن القارئ يعرف تقسيمات الصبر التي يريدها ابن القيم فقال: "لما كان الصبر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربّ يسّر وأعن
الحمدُ للَّه الصَّبورِ الشَّكورِ العليّ الكبير السميع البصير العليم القدير، الذي شملت قدرتُه كلَّ مقدور، وجَرت مشيئتُه في خلقه بتصاريفِ الأمور، وأَسمعت دعوتُه لليوم الموعود أصحابَ القبورِ، قَدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ وآجالَهم، وكتب آثارَهم وأعمالهم، وَقسَّم بينهم معايشَهم وأموالَهم، وخَلَق (1) الموتَ والحياةَ لِيَبلُوَهم أيُّهم أحسنُ عملًا وهوَ العزيزُ الغفورُ، القاهرُ القادرُ، فكلُّ عسيرٍ عليه يَسير، والمولى النَّاصِرُ، فَنِعمَ المولى ونعمَ النَّصيرُ.
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [1] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [2] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [3] يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن: 1 - 4].
وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحدَه لا شريكَ له، إله جلَّ عن الشَّبيه والنظير، وتعالى عن الشَّريكِ والظَّهيرِ، وتقدَّسَ عن تعطيل الملحدين، كما تنزّه عن شَبَهِ المخلوقين، فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير [11]} (2) [الشورى: 11].