
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق إسماعيل بن غازي مرحبا إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فيها، وهي أزهد شيء فيه. وأخرجوا من بيننا ذا الثروة الجموع المنوع المتكاثر بماله المستأثر به، الذي قد عضّ عليه بناجذه، وثنى عليه خنصره، يفرح بزيادته ويأسى على نقصانه، فقلبه به مشغوف، وهو على تحصيله ملهوف، إن عرض سوق الإنفاق والبذل أعطى قليلًا وأكدى، وإن دعي إلى الإيثار أمعن في الهرب جدًّا. وأخلصونا وإخواننا من سباق الطائفتين وسادات الفريقين الذين تسابقوا إلى اللَّه والدار الآخرة بإيمانهم وأحوالهم، ونافسوا في القرب منه بأعمالهم وأموالهم، فقلوبهم عاكفة عليه، وهمتهم المسابقة إليه، ينظر غنيُّهم إلى فقيرهم، فإذا رآه قد سبقه إلى عمل صالح شمّر إلى اللحاق به، وينظر فقيرهم إلى غنيهم فإذا رآه قد فاته بإنفاق في طاعة اللَّه أنفق هو من أعماله وأقواله وصبره وزهده نظير ذلك أو أكثر منه، فهؤلاء إخواننا الذين تكلم الناس في التفضيل بينهم وأيهم أعلى درجة، وأما أولئك فإنما ينظر أيهم تحت الآخر في العذاب وأسفل منه، واللَّه المستعان. إذا عرف هذا، فقد مدح اللَّه سبحانه في كتابه أعمالًا، وأثنى على أصحابها، ولا تحصل إلا بالغنى، كالزكاة والإنفاق في وجوه البر، والجهاد في سبيل اللَّه بالمال، وتجهيز الغزاة، وإعانة المحاويج، وفكّ الرقاب، والإطعام في زمن المسغبة. وأين يقع صبر الفقير من فرحة الملهوف المضطر المشرف على الهلاك إذا أعانه الغني ونصره على فقره ومخمصته؟ وأين يقع صبره من نفع الغني بماله في نصرة دين اللَّه وإعلاء كلماته