
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق إسماعيل بن غازي مرحبا إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فصل
المثال السادس: تمثيله لها -صلى اللَّه عليه وسلم- بمدخل إصبعه في اليمّ (1)، فالذي يرجع به إصبعه من البحر، هو مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة.
وهذا أيضًا من أحسن الأمثال؛ فإن الدنيا منقطعة فانية، ولو كانت مدتها أكثر مما هي، والآخرة أبدية لا انقطاع لها، ولا نسبة للمحصور إلى غير المحصور، بل لو فرض أن السماوات والأرض مملوءتان خردلًا، وبعد كل ألف سنة طائر ينقل خردلة فني الخردل، والآخرة لا تفنى، فنسبة الدنيا إلى الآخرة في التمثيل كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل.
ولهذا لو أن البحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، وأشجار الأرض كلها أقلام يكتب بها كلام اللَّه، لنفدت الأبحر والأقلام ولم تنفد كلمات اللَّه؛ لأنها لا بداية لها ولا نهاية، والأبحر والأقلام متناهية (2).
قال الإمام أحمد وغيره: "لم يزل اللَّه متكلمًا إذا شاء" (3).
وكماله المقدس مقتض لكلامه، وكماله من لوازم ذاته فلا يكون إلا كاملًا، والمتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وهو سبحانه لا يلحقه كلال ولا تعب ولا سآمة من الكلام، وهو يخلق ويدبر خلقه بكلماته، فكلماته هي التي وُجد بها خلقه وأمره، وذلك حقيقة ملكه وربوبيته