[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق إسماعيل بن غازي مرحبا إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فصل
إذا عُرف هذا فكلٌّ من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر لا يمكن وجوده إلا به، وإنما يُعبر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الأغلب عليه والأظهر منه، وإلا فحقيقة الشكر إنما يلتئم من الصبر والإرادة والفعل، فإن الشكر هو العمل بطاعة اللَّه عز وجل وترك معصيته، والصبر أصل ذلك.
فالصبر على الطاعة وعن المعصية هو عين الشكر، وإذا كان الصبر مأمورًا به، فأداؤه هو الشكر.
فإن قيل: فهذا يفهم منه اتحاد الصبر والشكر، وأنهما اسمان لمسمّى واحد، وهذا محال عقلًا ولغةً وعرفًا، وقد فرّق اللَّه سبحانه بينهما.
قيل: بل هما معنيان متغايران، وإنما بيّنّا تلازمهما وافتقار كل واحد منهما في وجود ماهيته إلى الآخر، ومتى تجرّد الشكر عن الصبر بطل كونه شكرًا، وإذا تجرد الصبر عن الشكر بطل كونه صبرًا؛ أما الأول فظاهر، وأما الثاني فإنه إذا تجرد عن الشكر كان كفورًا، ومنافاة الكفور للصبر أعظم من منافاة السخط (1).
فإن قيل: بل ههنا قسم آخر وهو: أن لا يكون كفورًا ولا شكورًا، بل صابرًا على مضض وكراهة شديدة، فلم يأتِ بحقيقة الشكر ولا خرج عن ماهية الصبر.
قيل: كلامنا في الصبر المأمور به الذي هو طاعة، لا في الصبر الذي