[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10)]
المحقق: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: يحيى بن عبد الله الثُّمالي - علي بن محمّد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب.
فإنَّه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه، ومنه أنَّه يرضى ويغضب، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، وينتقم ويعفو، بل هذا موجب ملكه الحق، وهو حقيقة الملك المقرون بالحكمة والرحمة والحمد، فإذا زال غضبه سبحانه، وتَبَدَّلَ برضاه؛ زالت عقوبته، وتبدلت برحمته وانقلبت العقوبة رحمة، بل لم تزل رحمة وإن تنوعت صفتها وصورتها، كما كان عقوبة العصاة رحمة، وإخراجهم من النار رحمة، فتقلبوا في رحمته في الدنيا، وتقلبوا فيها في الآخرة، لكن تلك رحمة يحبونها وتوافق طبائعهم، وهذه رحمة يكرهونها وتشق عليهم؛ كرحمة الطبيب الذي يبضع لحم المريض، ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة (1) الفاسدة.
فإن قيل: هذا اعتبار غير صحيح، فإن الطبيب يفعل ذلك بالعليل، وهو يحبه وهو راض عنه، ولم ينشأ فعله به عن غضبه عليه، ولهذا لا يسمى عقوبة، وأما عذاب هؤلاء فإنَّه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم، وهو عقوبة محضة.
قيل: هذا حق، ولكن لا ينافي كونه رحمة بهم، وإن كان عقوبة لهم، وهذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا، فإنَّه عقوبة ورحمة وتخفيف وطُهْرة، فالحدود طهرة لأهلها وعقوبة، وهم لما أغضبوا