
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10)]
المحقق: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: يحيى بن عبد الله الثُّمالي - علي بن محمّد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
أمَّا بعدُ: فإنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لم يخلق خلقَهُ عَبَثًا، ولم يتركهم سُدًى، بل خلقهم لأمرٍ عظيمٍ، وخطْبٍ جسيمٍ، عُرِضَ (1) على السموات والأرض والجبال فأبينَ وأشْفَقْنَ (2) منه إشفاقًا ووجلًا، وقلن: ربَّنا إن أمرتنا فسمعًا وطاعةً، وإن خَيَّرْتَنَا فعافيتك نُريد، لا نَبْغي بها بدَلًا. وحمَلَهُ الإنسانُ على ضَعْفِهِ وعجزِه عن حمله، ونَاءَ (3) به على ظُلمه وجهله، فألقى أكثرُ النَّاسِ الحِمْلَ عن ظهورهم لشدَّة مؤنَتِهِ عليهم وثقله، فصحبوا الدنيا صحبةَ الأنعام السَّائمة، لا ينظرون في معرفة مُوجدِهم وحقِّهِ عليهم، ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدَّار، التي هي طريق ومَعْبر إلى دار القرار، ولا يَتَفكَّرُون في قلَّة مقامهم في الدنيا الفانية، وسُرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية، فقد ملكهم باعثُ الحِسِّ (4) ، وغاب عنهم داعي العقل، وشملتهم الغفلة، وغرَّتهم الأمانيُّ الباطلة، والخُدَع الكاذبة، فخدَعَهم طولُ الأمل، ورَانَ على قلوبهم سوءُ العمل، فَهِمَمُهُم (5) في لذَّات الدنيا، وشهوات النفوس، كيف حَصَلَتْ حصَّلوها، ومن أيِّ وجهٍ لاحت لهم (6) أخذوها، إذا أبدى لهم حظٌّ من الدنيا ناجِذَيْه طاروا إليه