
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10)]
المحقق: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: يحيى بن عبد الله الثُّمالي - علي بن محمّد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (10) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
تبارك وتعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]. وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوهٍ عديدةٍ: أحدها: أنْ لا يُظَنَّ بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أنَّه يسأل ربَّهُ ما لا يجوز عليه، بل هو من أبطلِ الباطل، وأعظم المحال، وعند فروخ اليونان، والصائبة، والفِرعونية بمنزلة أنْ يسأله أنْ يأكل ويشرب وينام، ونحو ذلك ممَّا يتعالى اللَّه عنه، فيالله العجب! كيف صارَ أتباعُ الصابئة والمجوس والمشركين عُبَّادِ الأصنام وفروخ الجهمية والفِرْعونية أعلمَ باللَّه تعالى من موسى بن عِمْران، وبما يستحيل عليه، ويجب له، وأشدَّ تنزيهًا له منه؟! الوجه الثاني: أنَّ اللَّه سبحانه لم ينكر عليه سؤاله، ولو كان محالًا لأنكره عليه، ولهذا لمَّا سأل إبراهيم الخليل ربه تعالى أنْ يريه كيف يحيى الموتى، لم ينكر عليه، ولمَّا سألَ عيسى ابن مريم ربَّه إنزالَ المائدة من السماء لم ينكر سؤاله، ولمَّا سأل نوحٌ ربَّهُ نجاةَ ابنهِ أنكر عليه سؤاله وقال: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46 - 47]. الوجه الثالث: أنَّه أجابه بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ولم يقل: إنِّي لا أُرَى، ولا إنِّي لستُ بمرئيّ؛ ولا تجوز رؤيتي. والفرقُ بين الجوابين ظاهرٌ لمن تأمَّلَهُ. وهذا يدلُّ على أنَّه سبحانه مرئيٌّ، ولكنَّ موسى لا تحتمل قواهُ