[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (22)]
المحقق: عثمان بن جمعة ضميرية
راجعه: خلدون بن محمد الأحدب - محمد أجمل الإصلاحي - سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 562
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (22) تحفة المودود بأحكام المولود تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عثمان بن جمعة ضميرية وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ومَنْ جعل هناك حوضًا وخزانةً يجتمع فيها الطعامُ والشرابُ، وساقَ إليه مَجَارِيَ وطرقًا ينفذ فيها، فيسقي جميعَ أجزاءِ البدنِ، كلُّ جزءٍ يشربُ من مجراه الذي يختصُّ به لا يتعدَّاهُ {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة/ 60].
ومَنْ أخذ منها تلكَ القُوَى التي بها تمَّتْ مَصَالِحُهَا ومَنَافِعُهَا؟ ومَنْ أودع فيها العلومَ الدقيقةَ والصنائعَ العجيبةَ، وعلَّمها ما لم تكنْ تعلمْ، وألْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا، ونَقَلهَا في أطْوَارِ التَّخْليقِ طَوْرًا بعد طَوْرٍ، وطَبَقًا بَعْدَ طَبَقٍ إلى أنْ صارتْ شخصًا حيًّا ناطقًا سميعًا بصيرًا، عالمًا متكلِّمًا آمرًا ناهيًا، مسلَّطًا على طَيْرِ السَّماءِ وحِيْتَانِ الماءِ، ووُحُوشِ الفَلَوَاتِ، عالمًا بما لا يعلمُه غيرُه من المخلوقاتِ؟ {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس/ 17 ـ 22].
فصل وقد زَعَمَ طائفةٌ ممَّن تكلَّم في خَلْقِ الإنسانِ أنَّه إنَّما يُعطَى السمعَ والبصرَ بعد وِلَادتِه وخُرُوجِهِ من بَطْنِ أُمِّه، واحتجَّ بقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل/78].
واحتجَّ بأنَّه في بطن الأمِّ لا يَرَى شيئًا، ولا يسمعُ صوتًا، فلمْ يكنْ