[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وكان لعلماء المسلمين مناقشات لمذاهب النصارى، وجدال معهم ومع اليهود، كما تقدم، فتركوا لنا تراثًا ضخمًا في هذا المجال يتمثل فيما كتبه أئمة أعلام نقدًا وردًا، فقد نقدوا ما عند القوم من تحريف وتغيير وتبديل، وبيَّنوا ذلك أحسن بيان، وردُّوا على الشبهات التي أثاروها حول القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - ودين الإسلام، وأقاموا عليهم الحجة، وتباينت مناهجهم وأساليبهم في ذلك. وحسبنا أن نشير هنا إشارات موجزة إلى تلك الجهود في الجدال مع اليهود والنصارى، والرد على كتبهم وتحريفهم وما يتصل بذلك من بيان فضل الإسلام وخصائصه عند المقارنة والموازنة (1). وذلك بعرض سريع لأهم الأعلام الذين كتبوا في ذلك ومؤلفاتهم منذ العصور الأول إلى عصرنا الحاضر.
أ - ومن أوائل الكتب والرسائل في ذلك من المصادر القديمة: 1 - "رسالة الهاشمي إلى الكندي"، يدعوه فيها إلى الإسلام. وقد نشرت لأول مرة في لندن عام 1880 م بعناية أ. تيان. ثم أعيد نشرها أيضًا سنة 1885 وسنة 1912 م، كما نشرت في القاهرة مرتين عام 1895 م
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الحمدُ لله الذي رضي لنا الإسلام ديْنًا، ونصب لنا الدِّلالة على صحته برهانًا مبينًا، وأوضحَ السَّبيلَ إلى معرفته واعتقاده حقَّا يقينًا، ووعدَ منْ قام بأحكامه وحفظ حدودَهُ أجرًا جسيمًا، وذخر لمن وافاه به ثوابًا جزيلًا وفوزًا عظيمًا، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراهُ وأسبابه.
فهو دينُه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه (2) اهتدى المهتدون، وإليه دعا الأنبياءُ والمرسلون (3).
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83].
فلا يقبل من أحد دينًا سواه من الأولين والآخرين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
شهد بأنَّه دينُه قَبْلَ شهادة الأنام، وأشادَ به (4) ورَفَعَ ذِكْرَهُ، وسمَّى به أهلَه وما اشتملت عليه الأرحامُ، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 18، 19].