[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
فلما فَرَغَ (1) من قراءة الكتاب ارتفعتِ الأصواتُ عنده، وكَثُرَ اللَّغَطُ، وأُمِرَ بنا فَأُخْرِجْنَا (2) ... ثمِ أَذِن هِرَقْلُ لعظماء الرُّوم في دَسْكَرَةٍ (3) له بحِمْصَ، ثم أمر بأبوابها فَغُلِّقت، ثم اطَّلعَ فقال: يا مَعْشَرَ الرُّوم! هل لكم في الفلاح والرُّشْد وأنْ تَثْبُتَ مملكتكم (4) فتُبَايعُوا هذا النبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرٍ الوَحْشِ إلى الأبواب، فوجدوهاَ قد غُلِّقَتْ، فلما رأى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وأيِسَ من الإيمان قال: رُدُّوهم عليَّ، فقال: إنِّي قلتُ مقالتي آنِفًا أختبرُ بها شِدَّتكم على دينكم، فقد رأيتُ، فسجدوا له ورَضُوا عنه (5) .
فهذا ملك الروم، وكان من علمائهم أيضًا، عرف وأقرَّ أنَّه نبيٌّ، وأنَّه سيملك ما تحت قدميه، وأحبَّ الدُّخِولَ في الإسلام فدعَا قومَه إليه، فولَّوا عنه معرضين كأنهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فرَّتْ من قَسْوَرَةٍ، فمنعه من الإسلام الخوفُ على مُلْكِه ورياسته، ومَنَعَ أشْبَاهَ (6) الحمير ما منع الأُممَ قبلَهم.