[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ولا يشكُّ مَنْ له أدنى عقلٍ أن إطباقَ أكثر الأمم على متابعة هذا النبيِّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وخروجَهم عن ديارهم وأموالهم، ومعاداتهم آباءهم وأبناءهم وعشائرهم في متابعته، وبذلهم نفوسهم بين يديه = من أمحل المحال، فتجويز اختيارِهم الكُفْرَ بعد تَبَيُّنِ الهدى على شرذمة قليلة حقيرة لها أغراض عديدة من هاتين الأمتين أوْلى من تجويز ذلك على المسلمين الذين طبقوا مشارق الأرض ومغاربها، وهم أَعْقَلُ الأمم وأكملُها (1) في جميع خصال الفضل.
وأين عقول عُبَّادِ العجل وعُبَّاد الصَّليب الذين أضحكوا سائر العقلاء على عقولهم ودلُّوهم على مبلغها بما قالوه في معبودهم من عقول المسلمين؟!!.
وإذا جاز اتِّفاقُ أمةٍ -فيها من قد ذكره هذا السائل- على أنَّ ربَّ العالمين وخالقَ السمواتِ والأَرَضِيْن نزل عن عرشه وكرسيِّ عظمتِه ودخل في بطن امرأةٍ في محل الحيض والطمث عِدَّةَ شهور ثم خرج من فرجها (2) طفلًا يمصُّ الثدي ويبكي، ويكبر شيئًا فشيئًا، ويأكل ويشرب ويبول، ويصحُّ (3) ويمرض، ويفرح ويحزن، ويَلَذُّ ويألم، ثم دبَّر حيلةً على عدوه إبليس بأنْ مكَّن أعداءَه اليهود من نفسه، فأمسكوه وساقوه إلى خشبتين يصلبونه عليهما، وهم يجرُّونه إلى الصلب، والأَوباشُ والأرذال (4) قدَّامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره، وهو يستغيث ويبكي