[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
سيسكن الله مع الناس على الأرض، اسمعوا أيتها الشعوب كلُّكم، ولْتُنْصِتِ الأرضُ وكلُّ مَنْ فيها، فيكون الربُّ عليها شاهدًا، ويخرج من موضعه، وينزل، ويطأ على مشارق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب" (1) .
قيل لكم: هذا السفر يحتاج فيه أولًا إلى أن يثبت أن الذي تكلَّم به نبيٌّ، وأن هذا لفظه، وأنَّ الترجمة مطابقةٌ له. وليس ذلك بمعلوم.
وبعد ذلك: فالقول في هذا الكلام (كالقول في نظائره (2) مما ذكرتموه وما لم تذكروه، وليس في هذا الكلام) (3) ما يدلُّ على أن المسيح خالقُ السمواتِ والأرض، وأنه إلهٌ حقٌّ غير مصنوعٍ ولا مخلوقٍ، فإن قوله: "إن الله سيسكن مع الناس في الأرض" هو مثل كونه معهم، وإذا صار في الأرض نوره وهداه ودينه ونبيه كانت هذه سكناه، لا أنه بذاته المقدَّسةِ نَزَلَ عن عرشه وسكن مع أهل الأرض، ولو قُدِّر -تقدِيْرَ المُحَالَات- أنَّ ذلك واقعٌ: لم يلزم أن يكون هو المسيح، فقد سكن الرُّسل والأنبياء قَبْلَه وبعده، فما الموجب لأن يكون المسيح هو الإله دون إخوانه من المرسلين؟! أترى ذلك للقوة والسلطان الذي كان له وهو في الأرض، وقد قلتم: إنه قُبض عليه وفُعِل به ما فُعِل من غاية الإهانة والإذلال والقهر، فهذا ثمرة سكناه في الأرض مع خلقه.
فإن قلتم: سُكْنَاه في الأرض: هو ظهوره في ناسوت المسيح، قيل لكم: أمَّا الظهور الممكن المعقول، وهو ظهور محبته ومعرفته ودينه