
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
وصَفَعُوه وبصقوا في وجهه ووضعوا الشَّوْك على رأسه، وكالفُرْس والكَلْدَانِيِّين وغيرهم؟! وكثيرًا ما منعهم ملوك الفرس من الخِتَان وجعلوهم قُلْفًا، وكثيرًا ما منعوهم من الصلاة؛ لمعرفتهم بأنَّ مُعْظَم صلاتهم دعاءٌ على الأمم بالبَوَار وعلى بلادهم بالخراب إلا أرض كنعان، فلما رأوا أنَّ صلاتهم هكذا منعوهم من الصلاة، فرأت اليهود أنَّ الفُرْس قد جَدُّوا في منعهم من الصلاة، فاخترعوا أدعيةً مزجوا بها (1) صلاتَهم سَمَّوها "الخزانة"، وصاغوا لها ألحانًا عديدةً وصاروا يجتمعون على تلحينها وتلاوتها.
والفرق بين الخزانة والصلاة: أنَّ الصلاة بغير لَحْنٍ، ويكون المصلِّي فيها وَحْدَه، والخزانة بلَحْنٍ يشاركه غيره فيه، فكانت الفُرْس إذا أنكروا ذلك عليهم قالت اليهود: نحن نُغَنِّي وننوح على أنفسنا، فيُخَلُّون بينهم وبين ذلك.
وجاءت دولة الإسلام فأَمِنُوا فيها غاية الأَمْن، وتمكَّنوا من صلاتهم في كنائسهم، واستمرَّت الخزانة سُنَّةً فيهم في الأعياد والمواسم والأفراح وتعوَّضوا بها عن الصلاة.
والعجب أنهم -مع ذَهابِ دولتِهم وتفرُّق شَمْلهم، وعلمهم بالغضب الممدود المستمرِّ عليَهم ومَسْخِ أسلافهم قردةً لِقَتْلِهم (2) الأنبياء، وعدوانهم في السبت، وخروجهم عن شريعة موسى والتوراة، وتعطيلهم لأحكامها -يقولون في كل يومٍ في صلاتهم: "محبةِ الدهر":