[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
عنك شؤبوب (1) السيل، وتغيَّرت المهارى (2) تغييرًا، رفعت أيديها وجلًا وخوفًا، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوِّخ الأرضَ وتدوس الأمم؛ لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك" (3) .
فمن رام صرف هذه البشارة عن محمد فقد رام سَتْرَ الشَّمس بالنهار وتَغْطِيةَ البحار، وأنّى يقدر على ذلك وقد وصفه بصفات عيَّنت شَخْصَهُ وأزالت عَنِ الحيران لَبْسَه؟! بل قد صرَح باسمه مرتين، حتى انكشف الصبح لمن كان ذا عَيْنَيْن، وأخبر بقوة أمته وسير المنايا أمامهم واتباع جوارح الطير آثارهم. وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولا تصلح إلا له ولا تنزل إلا عليه، فمن حاول صَرْفَها عنه فقد حاول صَرْفَ الأنهارِ العظيمة عن مجراها، وحَبْسَها عن غايتها ومنتهاها، وهيهات ما يروم المبطلون والجاحدون، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ولو كره الكافرون.
فمن الذي امتلأتِ الأرضُ من حَمْدِه وحَمْدِ أمته لله في صلواتهم وخُطَبِهم وأدبار صلواتِهم وعلى السرَّاءِ والضرَّاءِ وجميع الأحوال سواء، حتى سماهم الله قبل ظهورهم الحمادين! ومن الذي كان وجهه كأن الشمس والقمر يجريان فيه في ضيائه ونوره؟! قَدْ عَوَّدَ الطيْرَ عَادَاتٍ وَثِقْنَ بِهَا ... فهُنَّ يَتْبَعْنَهُ في كلِّ مُرْتَحَلِ (4)