[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)]
حققه: عثمان جمعة ضميرية
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سعود بن عبد العزيز العريفي- عبد الله بن محمد القرني
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440- 2019م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 450
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (16)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
تحقيق عثمان جمعة ضميرية
إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
مجيبينَ له، فأتيناه فسلَّمنا عليه فلم يردَّ سلامَنَا، فتصدَّيْنَا لكلامه نهارًا طويلًا، فأعيانا أن يكلِّمنا، فما الرأيُ منكما: أنعودُ، أم نَرْجعُ إليه؟ فقالا لعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحَسَنِ في هؤلاء القوم؟ فقال عليٌّ لعثمان وعبدالرحمن: أرى أنْ يضعوا حُلَلَهم هذه وخواتِيْمَهم، ويلبسوا ثيابَ سَفَرِهم، ثم يعودون إليه.
ففعل وفد نجرانَ ذلك، ووضعوا حُلَلَهم وخواتيمَهم، ثم عادوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلَّموا عليه فردَّ عليهم سلامهم، ثم قال: "والذي بعثني بالحقِّ لقد أتَوْني المرةَ (1) الأولى وإنَّ إبليس لَمَعَهُمْ". ثم سألهم وسألوه، فلمِ تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقولُ في عيسى، فإنَّا نحبُّ أن نَعْلَمَ ما تقول فيه؟ فأنزل الله -عز وجل-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59 - 61]. فأبوا أن يُقِرُّوا بذلك.
فلما أصبحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد، بعد ما أخبرَهم الخبرَ، أقبل مشتملًا على الحَسَنِ والحُسَيْن في خميلةٍ له، وفاطمةُ تمشي عند ظهره، إلى الملاعَنَةِ، وله يومئذ عِدَّة نسوةٍ، فقال شُرَحْبِيْل لصاحبه: يا عبد الله بن شرجبيل ويا جبار بن فيض، لقد علمتما أنًّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدُوا ولم يَصْدُرُوا إلا عن رأيى، وإنّي -والله- أرى أمرًا مُقْبِلًا، والله لئن كان هذا الرجل ملِكًا مبعوثًا فكنا أولَ العرب طعن في