[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
مصلحة لهم سواه، وشَوَّق (1) بذلك النُّفوسَ إلى الشهادة له بالحُسْن والكمال والحكمة التَّامَّة.
فلما قرَّر ذلك كلَّه أعلمهم بما سيقول السُّفهاءُ من النَّاس إذا تركوا قبلَتهم لئلَّا يَفْجَأهم مِنْ غير علمٍ به فيعظُم موقعُه عندهم، فلمَّا وقع لم يَهُلْهُم، ولم يصعُب عليهم، بل أخبر أنَّ له المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
ثمَّ أخبر أنه كما جعلهم أمَّةً وسطًا خيارًا اختار لهم أوسط جهات الاستقبال وخيرَها، كما اختار لهم خيرَ الأنبياء، وشرع لهم خيرَ الأديان، وأنزل عليهم خيرَ الكتب، وجعلهم شهداء على النَّاس كلِّهم لكمال فضلهم وعلمهم وعدالتهم. وظهرت حكمتُه في أن اختار لهم أفضلَ قبلةٍ وأشرفَها؛ لتتكامل جهاتُ الفضل في حقِّهم بالقِبلة (2) والرسول والكتاب والشريعة.
ثمَّ نبَّه سبحانه على حكمته البالغة في أن جعل القِبلة أوَّلًا هي بيتَ المقدس؛ ليعلمَ سبحانه واقعًا في الخارج ما كان معلومًا له قبل وقوعه ممَّن يتَّبعُ الرسول في جميع أحوالِه، وينقادُ له ولأوامر الربِّ تعالى ويَدِينُ بها كيف كانت وحيث كانت؛ فهذا هو المؤمنُ حقًّا الذي أعطى العبوديةَ حقَّها، ومن ينقلبُ (3) على عَقِبَيه ممَّن لم يَرْسَخ في الإيمان قلبُه، ولم يستقرَّ عليه