
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
العلَّة لا يخرجه عن كونه نافعًا في ذاته، وكذلك تخلُّف الانتفاع باللباس في زمن الحرِّ ــ مثلًا ــ لا يدلُّ على أنه ليس في ذاته نافعًا ولا حسنًا.
فهذه قُوى الأغذية والأدوية واللباس ومنافعُ الجماع والنَّوم تتخلَّفُ عنها آثارُها زمانًا ومكانًا وحالًا، وبحسَب القبول والاستعداد، فتكونُ نافعةً حسنةً في زمانٍ دون زمان، ومكانٍ دون مكان، وحالٍ دون حال، وفي حقِّ طائفةٍ أو شخصٍ دون غيرهم، ولم يخرجها ذلك عن كونها مقتضيةً لآثارها بقُواها وصفاتها.
فهكذا أوامرُ الربِّ تبارك وتعالى وشرائعُه سواء؛ يكونُ الأمرُ مَنْشأ المصلحة ونافعًا للمأمور في وقتٍ دون وقت، فيأمرُ به تبارك وتعالى في الوقت الذي عَلِمَ أنه مصلحةٌ فيه، ثمَّ ينهى عنه في الوقت الذي يكون فعلُه فيه مفسدة، على نحو ما يأمرُ الطَّبيبُ بالدَّواء والحِمْية في وقتٍ هو مصلحةٌ للمريض، وينهاه عنه في الوقت الذي يكون تناولُه مفسدةً له.
بل أحكمُ الحاكمين الذي بهرت حكمتُه العقولَ أولى بمراعاة مصالح عباده ومفاسدهم في الأوقات والأحوال والأماكن والأشخاص، وهل وُضِعَت الشرائعُ إلا على هذا؟! فكان نكاحُ الأخت حسنًا في وقته حيث (1) لم يكن بدٌّ منه في التَّناسل وحفظ النَّوع الإنسانيِّ، ثمَّ صار قبيحًا لما استُغْنِي عنه فحرَّمه على عباده، فأباحه في وقتٍ كان فيه حسنًا، وحرَّمه في وقتٍ صار فيه قبيحًا.