{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
* وأمَّا الجهاد، فناهيك به مِنْ عبادةٍ هي سَنَامُ العبادات وذِرْوتُها، وهو المِحَكُّ والدَّليلُ المفرِّقُ بين المحِبِّ والمدَّعي؛ فالمحِبُّ قد بذل مهجتَه وماله لربِّه وإلهه، متقرِّبًا إليه ببَذْل أعزِّ ما بحضرته، يودُّ لو أنَّ له بكلِّ شَعرةٍ نَفْسًا يبذُلها في حبِّه ومرضاته، ويودُّ أن لو قُتِل فيه ثمَّ أُحيِي ثمَّ قُتِل ثمَّ أُحيِي ثمَّ قُتِل، فهو يفدي بنفسه حبيبَه وعبدَه ورسوله، ولسانُ حاله يقول: يَفْدِيكَ بالنَّفس صَبٌّ لو يكونُ له ... أعزَّ مِنْ نفسِه شيءٌ فَداكَ به (1) فهو قد سلَّم نفسَه وماله لمشتريها، وعَلِم أنه لا سبيل إلى أخذ السِّلعة إلا ببذلِ ثمنها؛
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].
وإذا كان من المعلوم المستقرِّ عند الخلق أنَّ علامة المحبة الصَّحيحة بذلُ الرُّوح والمال في مرضاة المحبوب، فالمحبوبُ الحقُّ الذي لا تنبغي المحبةُ إلا له، وكلُّ محبةٍ سوى محبَّته فالمحبة له باطلة= أولى بأن يَشْرَع لعباده الجهادَ الذي هو غايةُ ما يتقرَّبون به إلى إلههم وربهم، وكانت قرابينُ مَنْ قبلهم من الأمم في ذبائحهم، وقرابينُهم تقديمُ أنفسهم للذَّبح في الله مولاهم الحقِّ.