«إنَّ المؤمن ليُنضِي شيطانَه كما يُنضِي أحدُكم بعيرَه في سفره» (6).
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
بماذا يَسْتَدْفِعُ شرَّهم وكيدَهم؛ فلو أنه مرَّ عليهم على غِرَّةٍ (1) وطمأنينةٍ لم يأمن أن يظفروا به ويجتاحُوه جملةً.
فصل ومنها: أنَّ القلبَ يكونُ ذاهلًا عن عدوِّه معرضًا عنه، مشتغلًا ببعض مهمَّاته، فإذا أصابه سهمٌ من عدوِّه اسْتَجْمَعَت له قوَّتُه وجأشُه (2) وحميَّته، وطلب بثأره إن كان قلبُه حرًّا كريمًا، كالرَّجل الشجاع إذا جُرِحَ فإنه لا يقومُ له شيء، بل تراه بعدها هائجًا طالبًا مِقْدامًا (3)، والقلبُ الجبانُ المَهِينُ إذا جُرِح كالرَّجل الضعيف المَهِين إذا جُرحَ ولى هاربًا (4) والجِراحاتُ في أكتافه، وكذلك الأسدُ إذا جُرِح فإنه لا يُطاق.
فلا خير فيمن لا مروءة له بطلب أخذ ثأره من أعدى عدوِّه، فما شيءٌ أشفى للقلب من أخذه بثأره من عدوِّه، ولا عدوَّ أعدى له من الشيطان، فإن كان من قلوب الرجال المتسابقين في حَلَبة المجد جدَّ في أخذ الثَّأر، وغاظ عدوَّه كلَّ الغَيظ، وأنضاه (5)، كما جاء عن بعض السَّلف:
«إنَّ المؤمن ليُنضِي شيطانَه كما يُنضِي أحدُكم بعيرَه في سفره» (6).