{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وحنجرةٍ واحدة (1).
والحكمةُ البالغةُ في ذلك أنَّ النَّاس يحتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحِلاهم (2)؛ لما يجري بينهم من المعاملات، فلولا الفرقُ والاختلافُ في الصُّوَر لفسدت أحوالهم، وتشتَّت نظامُهم، ولم يُعرَف الشاهدُ من المشهود عليه، ولا المَدِينُ من ربِّ الدَّين، ولا البائعُ من المشتري، ولا كان الرَّجلُ يعرفُ عِرْسَه (3) من غيرها عند الاختلاط (4)، ولا هي تعرفُ بعلَها من غيره. وفي ذلك أعظمُ الفساد والخلل.
فمن الذي ميَّز بين حِلاهم وصُوَرهم وخلقهم (5) وأصواتهم، وفرَّق بينها بفروقٍ لا تنالها العبارةُ ولا يدركُها الوصف؟! فسَل المعطِّل: أهذا فعلُ الطَّبيعة؟! وهل في الطَّبيعة اقتضاءُ هذا الاختلاف والافتراق (6) في النَّوع؟! وأين قولُ الطَّبائعيِّين: إنَّ فعلها متشابهٌ لأنها واحدةٌ في نفسها، لا تفعلُ بإرادةٍ ولا مشيئة، فلا يمكنُ اختلافُ أفعالها؟! فكيف يجمعُ المعطِّل بين هذا وهذا؟!
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].