{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وحده الخالقُ الباراءُ المصوِّر، وأنه يخلقُ ما يشاءُ كما يشاء، وإنما أمرُه إذا أراد شيئًا أن يقول له كُن فيكون، وأنَّ الطَّبيعة التي انتهى نظرُ الخفافيش إليها إنما هي خلقٌ مِنْ خَلْقِه بمنزلة سائر مخلوقاته. فكيف يحسُن بمن له حظٌّ من إنسانيَّةٍ أو عقلٍ أن ينسى من طبَعَها وخلقها ويُحِيل الصُّنعَ والإبداع عليها؟! ولم يزل الله سبحانه يسلُبها قوَّتها ويُحِيلُها ويقلبُها إلى ضدِّ ما جُعِلَت له حتى يُرِيَ عباده أنها خلقُه وصنعُه مسخَّرةٌ بأمره،
{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
فصل (1) فأعِد النَّظر في نفسك، وتأمَّل حكمةَ اللطيف الخبير في تركيب البدن ووَضْع هذه الأعضاء مواضعَها منه، وإعدادها لما أُعِدَّت له، وإعداد هذه الأوعية المُعَدَّة لحمل الفَضلات وجمعِها لكيلا تنتشر في البدن فتفسده.
ثمَّ تأمَّل الحكمةَ البالغةَ في تنميتك (2) وكثرة أجزائك (3)، مِنْ غير تفكيكٍ ولا تفصيل، ولو أنَّ صانعًا أخذ تمثالًا من ذهبٍ أو فضَّةٍ أو نُحاسٍ فأراد أن يجعله أكبر مما هو، هل كان يمكنُه ذلك إلا بعد أن يكسِرَه ويصُوغه صياغةً أخرى؟! والربُّ تعالى ينمِّي (4) جسمَ الطِّفل وأعضاءه الظَّاهرة والباطنة وجميعَ أجزائه وهو باقٍ ثابتٌ على شكله وهيئته لا يتزايلُ ولا ينفكُّ