[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
العجبُ كلَّ مذهب؛ فمن الذي أوحى إليه أن يتضايق عليك وأنت نطفةٌ حتى لا تفسُد هناك، ثمَّ أوحى إليه أن يتَّسع لك وينفسح حتى تخرج منه سليمًا؟! إلى أن خرجتَ فريدًا وحيدًا ضعيفًا، لا قِشْرة ولا لباسَ ولا متاع ولا مال، أحوجَ خلق الله وأضعفَهم وأفقرَهم.
فصُرِف ذلك اللبنُ الذي كنت تتغذَّى به في بطن أمِّك إلى خزانتين معلَّقتين على صدرها، تحملُ غذاءك على صدرها كما حملتْك في بطنها، ثمَّ ساقه إلى تلك الخزانتين ألطفَ سَوْقٍ في مَجارٍ (1) وطرقٍ قد تهيَّأت له، فلا يزالُ واقفًا في طرقه ومجاريه حتى تستوفي ما في الخزانتين (2) فيجري وينساقُ إليك، فهو بئرٌ لا تنقطعُ مادَّتُها، ولا تنسدُّ طرقُها، يسوقُها إليك في طرقٍ لا يهتدي إليها الطَّوَّاف (3)، ولا يسلكُها الرَّجَّال (4).
فمن رقَّقه لك وصفَّاه، وأطابَ طعمَه، وحسَّن لونَه، وأحكمَ طبخَه أعدَل إحكام؛ لا بالحارِّ المؤذي، ولا بالبارد المُردي (5)، ولا المُرِّ ولا المالح، ولا الكريه الرائحة، بل قَلَبَه إلى ضربٍ آخرَ من التَّغذية والمنفعة خلاف ما كان في البطن، فوافاك في أشدِّ أوقات الحاجة إليه، على حين ظمأٍ شديدٍ وجوعٍ مُفْرِط، جمعَ لك فيه بين الشراب والغذاء؟!