
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
فصل (1) ثمَّ تأمَّل هذه النَّملةَ الضعيفةَ وما أُعطِيَته من الفطنة والحيلة في جمع القُوت وادِّخاره وحِفْظه ودفع الآفة عنه؛ فإنك ترى في ذلك عِبَرًا وآيات.
فترى جماعةَ النَّمل إذا أرادت إحراز القُوت خرجت من أسرابها طالبةً له، فإذا ظَفِرَت به أخذت طريقًا من أسرابها إليه وشَرَعت في نقله، فتراها رِفْقتين: رِفْقةً (2) حاملةً تحملُه إلى بيوتها سِرْبًا ذاهبًا، ورِفْقةً خارجةً من بيوتها إليه لا تخالطُ تلك في طريقها، بل هما كالخيطيْن، بمنزلة جماعة النَّاس الذَّاهبينَ في طريقٍ والجماعة الرَّاجعينَ من جانبهم في طريق.
فإذا ثَقُل عليها حملُ الشيء من ذلك اجتمعت عليه جماعةٌ من النَّمل وتساعدَت على حمله، بمنزلة الخشبة والحجر الذي تتساعدُ الفئةُ من النَّاس عليه.
فإذا كان الذي ظَفِرَ به منهنَّ واحدةً ساعدَها رِفقتُها عليه إلى بيتها وخلَّوا بينها وبينه، وإن كان الذي صادفه جماعةً منهنَّ تساعَدنَ عليه ثمَّ تقاسمنَه على باب البيت.
ولقد أخبرني (3) بعض الصادقينَ (4) أنه شاهدَ منهنَّ يومًا عجبًا، قال: رأيتُ نملةً جاءت إلى شِقِّ جرادةٍ فزاولَتْهُ، فلم تُطِق رفعَه (5) من الأرض،