
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
في البرِّ لا يمكنُه الحياةُ إلا به، فهو معه أين كان وحيثُ كان؛ لأنه لا يستغني عنه لحظةً واحدة، ولولا كثرتُه وسَعتُه وامتدادُه في أقطار العالم لاختنقَ أهل العالَم (1) من الدُّخان والبُخَار المتصاعد المُنعقِد.
فتأمَّل حكمةَ ربك في أنْ سخَّر له الرياح، فإذا تصاعدَ إلى الجوِّ أحالتهُ سحابًا أو ضبابًا، فأذهبَت عن العالم شرَّه وأذاه.
فسَلِ الجاحدَ: من الذي دبَّر هذا التَّدبيرَ وقدَّر هذا التقدير؟ وهل يقدرُ أهل العالَم (2) كلُّهم لو اجتمعوا أن يُحِيلوا ذلك ويقلبوه سحابًا أو ضبابًا، أو يُذْهِبوه عن النَّاس ويكشفوه عنهم؟ ولو شاء ربُّه تعالى لحبَسَ عنه الرياح فاختنقَ على وجه الأرض، فأهلَك ما عليها من الحيوان والنَّاس.
فصل (3) ومِنْ ذلك: سَعةُ هذه الأرض وامتدادُها، ولولا ذلك لضاقت عن مساكن الإنس والحيوان، وعن مزارعهم ومراعيهم، ومنابت ثمارهم وأعشابهم.
فإن قلت: فما حكمةُ هذه القِفَار الخالية، والفَلَوات الفارغة المُوحِشَة؟ فاعلم أنَّ فيها معايشَ (4) ما لا يحصيه إلا الله من الوحوش والدَّوابِّ، وعليها أرزاقُهم، وفيها مَطْرَدُهم ومنزلهم؛ كالمدن والمساكن للإنس، وفيها