[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
ونُنبِّه (1) للطيفةٍ في هذا الهواء؛ وهي أنَّ الصَّوتَ أثرٌ يحدثُ (2) عن اصطكاك الأجرام (3)، وليس نفسَ الاصطكاك كما قال ذلك من قاله. ولكنَّه مُوجَبٌ للاصطكاك وقَرْع الجسم للجسم أو قَلْعِه عنه؛ فسببُه قرعٌ أو قلع، فيحدثُ الصَّوت، فيحملُه الهواءُ ويؤدِّيه إلى مسامع الناس، فينتفعون به في حوائجهم ومعاملاتهم بالليل والنَّهار، وتحدثُ الأصواتُ العظيمةُ من حركاتهم.
فلو كان أثرُ هذه الحركات والأصوات يبقى في الهواء كما يبقى الكتابُ في القرطاس لامتلأ العالمُ منه، ولعَظُمَ الضررُ به واشتدَّت مُؤنتُه، واحتاج النَّاسُ إلى مَحْوِه من الهواء، والاستبدال به، أعظمَ من حاجتهم إلى الاستبدال بالكتاب المملوء كتابةً (4)؛ فإنَّ ما يُلقى من الكلام في الهواء أضعافُ ما تُودَعُه القراطيس (5).
فاقتضت حكمةُ العزيز الحكيم أنْ جَعَل هذا الهواءَ قرطاسًا خفيًّا (6)، يحمِلُ الكلامَ بقَدْر ما يبلغُ الحاجةَ ثمَّ يُمْحى بإذن ربِّه، فيعودُ جديدًا نقيًّا لا شيء فيه (7)، فيَحْمِلُ ما حمِّل كلَّ وقت.