«ما زال أهلُ العلم يعودونَ بالتذكُّر على التفكُّر، وبالتفكُّر على التذكُّر، ويُناطِقون القلوبَ حتى نطقَت؛ فإذا لها أسماعٌ وأبصار» (1).
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
التذكُّرَ إذ هو المطلوبُ من الفكر والعقل.
فتأمَّل ذلك حقَّ التأمُّل.
فإن قلتَ: فما الفرق بين التذكُّر والتفكُّر؟ فإذا تبيَّن الفرقُ ظهرت الفائدة.
قلتُ: التَّفكُّر والتَّذكُّر أصلُ الهدى والصلاح، وهما قُطبا السَّعادة؛ ولهذا وسَّعنا الكلامَ في الفِكر في هذا الوجه؛ لعِظم المنفعة وشدَّة الحاجة إليه.
قال الحسن:
«ما زال أهلُ العلم يعودونَ بالتذكُّر على التفكُّر، وبالتفكُّر على التذكُّر، ويُناطِقون القلوبَ حتى نطقَت؛ فإذا لها أسماعٌ وأبصار» (1).
فاعلَم أنَّ التفكُّر طلبُ القلب ما ليس بحاصلٍ من العلوم (2) من أمرٍ هو
حاصلٌ منها، هذا حقيقتُه؛ فإنَّه لو لم يكن ثَمَّ موادُّ تكونُ (3) موردًا للفكر استحال الفكرُ؛ لأنَّ الفكرَ بغير متعلَّقٍ متفكَّرٍ فيه محال، وتلك الموادُّ هي الأمورُ الحاصلة، ولو كان المطلوبُ بها حاصلًا عنده لم يتفكَّر فيه.
فإذا عُرِفَ هذا فالمتفكِّر ينتقلُ من المقدِّمات (4) والمباداء التي عنده إلى المطلوب الذي يريدُه، فإذا ظَفِرَ به وتحصَّل له تذكَّر به وأبصَر مواقعَ الفعل والتَّرك وما ينبغي إيثارُه وما ينبغي اجتنابُه؛ فالتذكُّر هو مقصودُ التفكُّر وثمرتُه، فإذا تذكَّر عاد بتذكُّره على تفكُّره فاستخرَج به ما لم يكن حاصلًا